الأفكار

كنت أقرأ في رواية الغابة النرويجية لهاروكي موراكامي، حين تكلم في بدايتها عن البئر التي تقع في أطراف الغابة ولا يعرف أحد مكانها، كنت اود النوم قليلًا، لذا اطفئت الهاتف، نمت نومًا قصيرًا لكنه عميق نوعًا ما، شعرت أنني أسقط في تلك البئر لم يكسر عنقي، ولا قدمي لحسن الحظ، لكن تلك الكلمات التي قالتها ناوكو عن الحشرات التي تسكن أسفل البئر حتى تمثل لي خوفي منهم - تبدو تلك الجملة كأننا ننسى الأشياء التى نخاف منها- ومن العناكب خاصة، كم أمقت ذلك النوع، أرجله الكثيرة المشعرة والعيون الصغيرة التي أشعر بها تخترق وجداني وتبث فيه سمها، وأم أربعة وأربعين، الحشرات كائنات صغيرة لكن مخيفة بقدر رؤيتك لدنياصور آكل للحوم، مخيفة، تخليت الموقف كما قاله موراكامي، تبدو نهاية مفزعة، الموت وحيدًا في بئر لا يعرف مكانها أحد، لن يسمعك أي شخص بشري، نهاية مأساوية، مرعبة لي من مجرد التخيل.
كان من الصعب الرجوع للواقع بعد السقوط في البئر اللعينة هذه، حتى أطمئن قولت لنفسي: إنها أسطورة مثل النداهة، أو أي شيء لا يوجد في حقيقة بل العقول واسعة الخيال، مرات كثيرة أخبر مازن أن النداهة هي شخص لطيف تعطي الصغار الحلوى والمهلبية لأنها يحبها، قولت ذلك عدة مرات في نفسي أيضًا، مازن ألطف شخص على الأطلاق لكنه لا يلقي عليَّ التحية دائمًا وعندما لا يفعل ذلك أقول: مازن لن نلتقط الصور معًا مرة أخرى، تجعله تلك الجملة يتراجع عن فعلته، ثم أخبره أنه أحلى ولد في العالم، لدينا مازن وأنا سر -لن يكون كذلك عندما أخبركم به-، أن تلك العنكبوت التي تسكن أسفل السرير لم نعد نراها لأنها سافرت مع الوحش إلى خالتها في أمريكا، كيف تسافر الحشرات أصلًا، لا يهم..

لم أعرف قبل ذلك كيف للمرء أن ينتشل نفسه من الأفكار التي تؤدي إلى الأحلام والكوابيس المفزعة، كيف يتوقف عن التفكير فيها، جربت مرات ألا اذكر تلك الفكرة على لساني أو في جنبات عقلي قبل النوم بعدة ساعات، لم يفلح هذا الحل، لذا انغمست في أفكار عن الغيوم الملونة والمدينة المصنوعة من الحلوى والشوكولاه، لكن عقلي الباطن يخطط لحلقة طويلة من الأفكار القاتمة بعدما أنام..

كتبت اليوم أيضًا عن الأفكار والأحلام: 
الأحلام (الأفكار) السيئة تجعل اليوم قاتمًا كأن الشمس في حالة كسوف أبدي، لا تدرك متى بدأ الظلام ولا متى سينتهي!
ثم بكل هدوء وفي خلسة تختفي الأفكار ولكن ما تلبث أن تعود وهي أقوى، كأن عقلي في معركة مع الأفكار، الأفكار وحدها ما تسعده وتحزنه، تأتي تارة هادئة وتارة عنيفة بذكريات سعيت مِرارًا حتى انساها، حتى الآن مع كل تلك الجولات من المعركة لم أفهم استراتيجيات الأفكار، متى تهاجم ومتى تخبو، متى تكون حربًا قصيرة ومتى تكون حربًا كالخنادق التي ظلت سنين يقتل فيها الكثير في الحرب العالمية الأولى.
قلت لنفسي: هذه هي الأفكار، مثل قطعة جيلي راقصة لا تتوقف عن الحركة..


تعليقات

  1. وهم يا هاجر حرفيا وهم ، تسلم ايدك والله

    ردحذف
  2. حقيقي ابداع 💜
    وكتير معبرة...

    ردحذف
  3. كاتبتي الرائعة للغاية 🥺👏🏻🤍🤍🤍

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة