ابتسامة واسعة

لا أعرف هل الشتاء وبرده وأمطاره الكثيرة هي التي أعادت لي ذكريات هذا اليوم أم هو كوب الكاكاو والكعك؛ لأنني اكلت كعكًا في ذلك اليوم؟
هل كان موقفًا حقيقيًا، أم مجرد اختلاق من عقلي؟ أظنه حقيقيًا، مازال عالقًا في ذاكرتي حتى بعد عشرات السنين، لكن عندي رغبة قوية بكتابتها، حتى أجمعه واحفظه من الضياع في سنوات الشيخوخة المقبلة، كانت أول صداقة أكونها وأول صديق.
   كان صباحًا مشرقًا، ما لبثت أن تجمعت الغيوم، كأنها سيارات متجمعة في السماء وعلى الطرقات، لمس أبي كتفي برفق وقال: " هيا عزيزي، لنصعد الحافلة" قالها وابتسم لي بحنان، إنه يومي الأول في المدرسة الابتدائية، قد تظنون أني في الصف الأول، لكن لا، أنا في الصف الرابع، كنت من قبل في مدرسة أخرى، لا افهم لغة الكلام، لكن افهم لغات مختلفة، وهذا يومي الأول في محاولة دمجي مع المجتمع، لأن المجتمع يحتوي على الكثير من البشر غير أمي وأبي والمعلمة، كانت هذه مفاجأة لي، لم اختلط بأحد كثيرًا عدا عائلتي، هناك أطفال مثلي يلعبون الكرة ويأكلون المثلجات، لم تمثل مسألة عدم الكلام عقبة لي، لم أكن مهتمًا بالحديث مع أحد، فقط اللعب واللعب لغة يعرفها كل الأطفال، لكن نظرات الأقارب والجيران بشفقة لي أو لعائلتي، يجعلني أشعر بالحزن والغضب، لم أكن أعرف معنى هذه الكلمات، وأنها تمثل ما كنت أشعر به لكني الآن افهم.
   ‏ دخلت فصلي الجديد وحيدًا بعدما ودعت أبي، تختلف هذه المدرسة عن مدرستي القديمة، وهذا الفصل أيضًا، التلاميذ يعرفون بعضهم البعض، يتكلمون عما حدث معهم في الإجازة الطويلة، أما عندي فجلست وحيدًا على كرسيٍ أزرق، لم تمض بضع دقائق حتى دخل هذا الصبي المتأنق الذي سيكون مرآةً أرى بها عالمًا جديدًا، نظر مطولًا إلى كل شيء كأنه يبحث عن أحد ما، ومضى قدمًا ليجلس بجانبي.
 - مرحبًا، أنا تلميذ جديد أيضًا، اسمي عبدالرحمن.
 لا اعرف كيف عرف أنني جديد، قد تكون نظرتي التائهة، أجبته بابتسامة.
 ‏- ما اسمك؟
 ‏لم أدرى بما أجيبه، أجد صعوبة في التكلم مع الغرباء، أمي وأبي لديهم طريقة للتواصل معي، ابتسمت مرة أخرى.
 ‏أظنه شعر بالسوء، أشاح وجهه للجهة الثانية، ولم يتكلم معي مرة أخرى، وددت أن أقول آسف، لكن لا أظنه يفهم لغتي، هل يعرف أنني أبكم؟ لا تخرج الكلمات من فمي بل على يدي، بلغة الإشارة.
 ‏ لم انتبه لدخول المعلم وأنا في خواطري، أشار لي لأقف جانبه أمام التلاميذ وقال: "هذا صديقكم الجديد، مازن، لديه مشكلة في حنجرته، يمكنه فهم حديثكم والرد عليه، لكن ليس بالكلمات بل بلغة الإشارة، كونوا لطفاء معًا، شعرت بالراحة بعد كلمات المعلم، نظرت إلى عبدالرحمن وابتسمت له، فابتسم لي ابتسامة واسعة مشرقة.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة