رحلة
تجلس على كرسيك، في ضوء مصباح صغير على مكتبك المزدحم بالأوراق.. تشتاق للكتابة، تمسك بقلمك وترتب أوراقك وتهم أن تكتب ما يجول داخلك، تود أن تناول وعقلك لتضع النقاط على الحروف، لتحسب جولات الحروب ومعاركك، ما صنعت ما ستصنع، عزلة أجبرت نفسك عليها..والزمتها بها حتى لا تهدر طاقتك في أشياء كثيرة، ما زلت ممسكًا بقلمك، تحث الكلمات أن تأتي، تشعر أن داخلك محطم ومليء بالكسور، أن عقلك في حرب ضارية على أشُدها مع العالم، كأنها ألمانيا يوم سقوطها في أيدي الحلفاء، تشعر بالخذلان و الحيرة والحزن لأنك لم تستطع الحفاظ على شيء مما تملك حتى مع كل تلك المحاولات المضنية لذلك، تهيم روحك في عالم الذكريات الماضية، تتذكر من فارقوك، من رحلوا وأخذوا جزءً من روحك معهم.. تهيم روحك في عوالم الخيال، تصنع عالمًا من قواعدك، لا يوجد زيف ونفاق، العالم الذي أراده هولدن في رواية الحارس في حقل الشوفان، كل شيء طبيعي لا زيف هناك، وأيضًا لا توجد تلك المثالية الخانقة، التي نشعر معها أنك لا شيء، مهما بذلك أقصى ما تستطيع لا تجد أنك تحركت قيد أنملة.. كأنك تائه في الكالاهاري. تنظر إلى ورقتك فتجد قلمك لم يكتب شيء، مجرد خطوط ودوائر تصنع هي الآخرى عوالم واسعة فسيحة، تقول لنفسك: لنجرب الغوص في تلك العوالم عساني أجد ضالتي هناك، فتمعن النظر إلى هذا الخط وذاك وتلك الاشكال، فتجد كل شخصياتك المفضلة من الروايات التي قرأتها.. وجدت رفعت إسماعيل، ذلك العجوز عصا المكنسة الصلعاء جلست معه تخبره أنك أيضًا لم تعد لديك رغبة في معرفة أي شيء عن أي شخص وأن المكالمات الكثيرة مرهقة وأنك يا رفعت لم تك مجرد بطلٍ في حكاية لقد كنت صديقي الذي أثق فيه وبكل ما يقول، وأن عصافير الصباح لا تغني بل تتشاجر مع غيرها كما تقول.
رأيت جودي أخبرتها أنها لم تك لحظة وحيدة وأنك تشعر بها وتبتغي لو تصبحا صديقين وأنك ترى أنها كاتبة رائعة وطالما أنها تبذل جهدها تنال كل تريد.
مازلت تبحر هنا وهناك وتنسج من هذا الخط وذاك، بلاد ومدن كثيرة..
رأيت أمير وحسان وهما يلعبان بطائرتهما الورقية في سماء كابول الجميلة، وترى أمير وهو يحكي لحسان بعض القصص من كتابه الصغير.
تسافر من بلدٍ إلى أختها وتجول هنا وهناك، وترى في الجهة المقابلة مزرعة صغيرة تحكمها الخنازير فتتذكر جورج أوريل ورأيه في كل الحكومات حول العالم.
تري فتاة صغيرة تمشي خلف رجلًا يشبه فرس النهر وهو يتمختر..آووه تلك مريم وتجري خلفهما لتخبرها ألا تثق في رشيد هذا أبدًا، لكنك هنا لا تستطع تغيير أي حدث..هنا فقد تستطيع أن ترى أبطالك الذين تمنيت بشدة أن تراهم..
فتاة سمراء جميلة تجري بسرعة كأنها عداءُ أولمبي.. تلك سامية.. نعم هي، تود لو كنت تحدثها لكنها في شوق لترى البحر وهي تجري بسرعة لو كنت لاحظت هذا معي، إن البحر هو خلاصها من الفقر، طريقها لتحقق حلم المشاركة في سباق النهاية.
تودع رفاقك اللطفاء وتعدهم بزيارة آخرى في وقت لاحق، تشكرهم على ما أعطوه لك من مشاعر وخبرات، تنظر لورقتك، تلك الخطوط التي سئمتها في البداية أصبحت تحبها للغاية وكأنها أغلى ما تملك وأمسكت قلمك بكل حب، إنه بوابة عالمك الرائع هذا...ابتسامتك تلك تقول أنك وجدت ضالتك، هنيئًا لك يا صديقي... لقد كانت عزلتك مع عقلك لتجد ضالتك عزلة صاخبة جدًا..
❤❤❤❤❤❤❤❤
ردحذفاحسنتي ، جميله جدا ❤️❤️
ردحذففكره ربط الروايات ببعض خلتني قرأتها اكتر من مره ، فكره عظيمه 🤍🤍🤍🤍
ردحذف