ذكرى.

تلك الزهور البيضاء تملأ أرض الفناء حتى أحالتها قطعة بيضاء كالثلج، تلك الشجرة الراسخة أريجها يملأ المكان بعبق محبب للنفس، ذلك السلم الذي يأخذ ركنًا نستخدمه للصعود للسطح، تلك الحجرة التي تمتلئ بالذكريات، ذكريات حصص الإبتدائي مع ذلك المعلم الذي يدرس لنا اللغة الأجنبية والمعلم الآخر الذي يدرس المادة العلوم والدراسات الاجتماعية، هذا جدي في أول كل شهر يرتب حسابات البنك ونصيب كل فلاح من جوالات الملح لأرضه، هذه خالتي الحبيبة التى تهرب من مزاحنا ومشكلاتنا وشقاوتنا التي لا تهدأ لحظة؛ لستذكر دروسها بعيدًا عن أسئلتنا التي لا تنتهي، جدتي الحنونة تتكأ على عكازها ونحن حولها نملأ الحياة صخبًا لا نبالي بشيء، ننتظر حلواها التي تعطيها لنا، كم أشتاق لكِ يا حبيبة قلبي، في الجهة الآخر تلك البقعة الطيبة التي نسميها(جعدة) مجلس لعبنا في الأوقات المشمسة اللطيفة، تلك(الزير) التي لا يقل ماؤها لحظة، مياهها العذبة. 
مشاكستنا وابناء الخالة التي لا تنتهي، كل ما تنتهي واحدة نبدأ بآخرى لم نك نهدأ، كنا نصعد للسطح لنصل لشجرة التوت بدون إخبار أحد حتى لا نُوبخ على ذلك، حفرات الطين التي نلعب بها في صباحات الجمعة، الأرز بالحليب الذي كانت تعده جدتي في صباحات الجمعة أيضًا لم أذق في طعمه الرائع أبدًا، مذاقه يداهمني كل حين، ذلك الجزء الأول من البيت لنمضي في الداخل قليلًا، ذلك العنبر الذي تربي فيه الجدة بعض الطيور، في الجهة المقابلة منصة عالية موضوع عليها اكياس الدقيق والقمح، كانت منصة مواهبنا أيضًا، وتلك الغرفة بجوارها أترون تلك الفرن الكبيرة؛ رائحة خبزها يمشي اميال عديدة، دعك من هذا كله، هذا باب البيت آخيرًا، لنمضي في الدخول، هيا، الصالة الكبيرة وتلك الأرائك لون فرشها أزرق، التلفاز العتيق، غرفة الضيوف وكراسيها المدهبة، غرفة جدي ورائحتها التي تأسر الفؤاد، رائحة عطور جدي التي ما أنفكت تملأ أنوفنا الصغيرة، غرفة خالتي سريرها الكبير وجهاز الحاسوب ونافذتها الكبيرة،
كتبها وأوراقها وأكياس الحلوى التي تغرقنا بها عندما ترجع من جامعتها، لنخرج هيا، إلى المطبخ هل تشموا رائحة الطعام وتلك (النملية) التي تحمل من حب الكثير.
ذلك البيت الذي امضيت فيه معظم ذكريات الطفولة بل كلها، ذكرياته التي لا نمل من ذكرها كل حين، إنها الحياة نزعت منا بيت الطفولة لكن لم تمح ذكرياته.

تعليقات

المشاركات الشائعة